جمعہ، 12 ستمبر، 2025

الهندوسية وعقيدة التوحيد

 

الهندوسية وعقيدة التوحيد

بقلم: الشيخ خالد سيف الله الرحماني

في تاريخ الأمم، لحظات تتشابك فيها العقيدة بالهوية، وتمتزج الموروثات الدينية بالتجارب السياسية والاجتماعية، فتخرج أنماط فكرية تحتاج إلى فحص وتحقيق.

ومن هذه الأنماط ما نجده في جماعة "آر.إس.إس" في الهند، وهي جماعة نشأت في أوائل القرن العشرين، وتجاوز عمرها الآن قرنًا من الزمن. تأسست هذه الجماعة في سياق من الانبعاث القومي الهندوسي، وجاءت تأثرًا بما كان سائداً آنذاك من النزعات القومية المتطرفة في أوروبا، ولا سيما في ألمانيا.

واللافت للنظر أن الجماعة  رغم خطابها القومي  لا تخلو من تأثر واضح بالأيديولوجية الفاشية، فقد اتخذت من تحقيق الغاية مبدأً يعلو على الأخلاق، ومن إقصاء الآخر وسيلة لتحقيق ما ترى أنه "استرداد للهوية الهندوسية". ولا يُخفى على من درس مسيرتها أنها كثيرًا ما سعت إلى مهادنة السلطة الاستعمارية البريطانية، وأنها في تاريخها لا تخلو من مواقف براغماتية يقتضيها الظرف السياسي.

في الوقت الراهن، يرأس الجماعة السيد موهن بهاغوت، وهو رجل يُوصَف بالحذر في التعبير، والتوازن في الخطاب؛ غير أن كلماته، في كثير من الأحيان، تحمل تناقضات بين ظاهرها وباطنها. فهو يصرّح بأن المسلمين باقون في الهند، وأن لا سبيل إلى طمس وجودهم، بل يذهب إلى القول بوحدة النَسَب الجيني بين المسلمين والهندوس. غير أن هذه العبارات لا تلبث أن تُقابَل بتصريحات عن أحقية الهندوس بكاشي وماثورا، أو بإنكار صفة "الهندوسي" عمن يؤمن بإله واحد، وهي إشارات لا تخفى دلالتها على المتتبع.

وهنا تظهر مسألة تستحق التأمل: هل الهندوسية بطبيعتها تناقض عقيدة التوحيد؟ وهل الإيمان بإلهٍ واحدٍ يخرج صاحبه من دائرة "الهندوسية"؟

لعل الإجابة تقتضي الرجوع إلى النصوص الأولى في الموروث الديني للهندوس، وأخصُّ بها "الڤيدا" بأنواعها. فمن يقرأ "الريغ فيدا"، يجد فيها نصوصًا تُقارب – بل توازي – في معناها ما ورد في القرآن الكريم. من ذلك قولهم:

ذاك الواحد، انظروا إليه، سبّحوه، لا أحد سواه"،

وهو لا يختلف في جوهره عن قوله تعالى:

﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.

بل إن "الأتهرو فيدا" تُصرّح بقولها:

"الإله واحد، هو وحده الحقيقة"،

ويُعاد هذا المعنى في مواضع أخرى تُنكر الشرك، وتدعو إلى عبادة الإله الواحد الأحد.

غير أن هذا التصور الواضح في أول العهد بالدين الهندوسي، ما لبث أن تعرض لتحولات كبيرة، شأنه في ذلك شأن كثير من الأديان. فقد تدخلت الأساطير، وتشكلت رموز متعددة، وتنوعت المعبودات، وازداد نفوذ الكهنة، وبرزت الحاجة السياسية والاجتماعية إلى تعدد "الآلهة"، فتُرجمت تلك الحاجات إلى مظاهر عبادة وصيغ دينية. وهكذا تحولت الفكرة التوحيدية إلى شعائر وثنية، وانقسم الإله الواحد إلى مئات، ثم إلى ملايين من الأسماء والصور والتماثيل.

ومع ذلك، لا يمكن القول إن "الهندوسية" في مجموعها قائمة على الوثنية، أو أن كل من يُحسب على "الهندوس" يعتقد بتعدد الآلهة. فثمة حركات إصلاحية نشأت في أزمنة متعاقبة، حاولت أن تعود بالدين إلى التوحيد.

من أبرز تلك الحركات: "الآريه سماج"، التي أسسها "ديانند سراسوتي"، وقد كانت واضحة في إنكارها لعبادة الأصنام، وعدّت ذلك انحرافًا عن الدين الصحيح. بل إن ديانند  في بعض عباراته – اشتد في نقده للوثنية إلى حدٍ قد لا يُستساغ عند كثير من علماء الإسلام.

وهناك أيضًا "برهمو سماج"، التي نشأت في القرن التاسع عشر، وتزعّمها "راجا رام موهن روي"، وقد ضمّت إلى صفوفها مفكرين بارزين، مثل طاغور وغيره، وكان خطابها قائمًا على الإيمان بإله واحد، ورفض مظاهر الشرك والطبقية.

بل إن في تاريخ الهند حركات أسبق من ذلك، كـ"كبير پنت"، التي نشأت في القرن الخامس عشر، وكانت تدعو إلى ترك عبادة التماثيل، وترسيخ مبدأ المساواة بين البشر، وقد تبعتها جماعات واسعة، لا تزال باقية إلى اليوم.

 

ونجد أيضًا حركة "لنگایت"، التي أسسها "بساونّا" في القرن الثاني عشر، وقد ذاعت في جنوب الهند، ورفضت المظاهر الوثنية بوضوح، وكذلك ما يُعرف بفرقة "راوي داس"، وغيرها من الحركات.

بل حتى (السِّيخ، والجاينيين، والبوذيين(، والذين يُعدّون رسميًا ضمن "الطائفة الهندوسية"، هم – في أصل فكرهم – أقرب إلى التوحيد منهم إلى الشرك، وإن اختلفت درجات التجلّي العقائدي بينهم.

وفي ضوء ذلك، يصعب القول بأن "الهندوسي الحق" يجب أن يكون وثنيًا. بل الثابت، عند الدراسة التاريخية، أن الهندوسية تحتوي تيارات توحيدية كثيرة، بعضها قديم، وبعضها حديث، وبعضها لا يزال ناشطًا.

أما الإسلام، فقد اتخذ موقفًا واضحًا من التوحيد، واعتبره الركيزة الأولى في بنائه العقدي. فالله عند المسلمين هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، لا شريك له في ملكه، ولا نظير له في ذاته، ولا معين له في فعله. والكون كله، بما فيه من دقائق ونواميس، يشهد لهذا الإله الواحد بالخَلق والتدبير.

وقد واجه الإسلام تيارين فكريين عبر تاريخه:

1- التيار الإلحادي، الذي يُنكر وجود الإله مطلقًا، ويزعم أن العالم نشأ تلقائيًا، وهو ما يُخالف بداهة العقل، ومقتضى المشاهدة، إذ لا يوجد في الواقع شيءٌ نشأ من غير فاعل.

2- التيار الشركي، الذي يعترف بوجود الإله، ولكنه يُشرك به غيره، فيزعم أن الكون لا يقوم إلا بآلهة متعددة، ولكل شأنٍ إله، ولكل مصلحةٍ معبود، وهو أمر يناقض مقتضى العقل والإدارة، فكما لا تستقيم دولة برأسين، لا تستقيم كَوْنٌ بمئات الآلهة.

ولذا فإن الإسلام بوضوحه العقلي، وصدقه الفطري، ونصوصه الصريحة قد أعاد التوحيد إلى نصابه، وصحح الانحرافات العقدية، ودعا إلى عبادة الله وحده، بلا واسطة ولا تمثيل ولا شراكة.

وإذا نظر المسلم إلى ما وُفّق إليه من وضوح العقيدة، واستقامة التصور، ازداد شكرًا، وازداد يقينًا بأن ما جاء به محمد هو النور الذي أضاء به الله المشارق والمغارب.

نقله إلى العربية د. مبصر الرحمن القاسمي

 

الأصل:

https://whatsapp.com/channel/0029Va9wjem47Xe94AA3CF37

 

کوئی تبصرے نہیں:

ایک تبصرہ شائع کریں

فیچر پوسٹ

Watan se Mohabbat Aur Islam

✍ ڈاکٹر مبصرالرحمن قاسمی  وطن سے محبت ۔۔ دین اسلام کی رہنمائی ((ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك،...